السبت، 2 مايو 2015

ندرة الماء بإداوسملال


علاقة سملالة بالأرض متجذرة بعمق التاريخ فرغم وعورة التضاريس وفترات الجفاف وقلة التساقطات المطرية، كان سملالة يجهدون لحفر الآبار لتوفير مياه الشرب وسقي مزروعاتهم وأشجارهم، وكان الحفر يتم بطريقة يدوية بسيطة كانت تستغرق مدة طويلة لحفر بئر وبنائه، ثم أصبحت هذه العملية توكل لأشخاص مختصين يستعملون آلة الحفر التي تعمل بضغط الهواء، كما يستعملون المتفجرات لتكسير الصخور الصلبة، وكان يتم تخزين المتفجرات والبارود بدفنها تحت خيمة يبيت فيها العمال، وعندما يحين موعد تفجيرها من قبل مختصين بهذا المجال، كنا نسمع صيحة الإنذار والتي يتم تكرارها أكثر من مرة وبلهجة يفهمها العامة وغالبا بالعربية والأمازيغية، حيث تحذر كل من يتواجد بجوار ورش حفر البئر أنه سيتم تفجير بالمكان وبالتالي وجب الإبتعاد والإستعداد لسماع دوي قوي لدرجة ان بعض المباني المجاورة تهتز شيئا ما لدويه، وبعد نجاح عملية التفجير ترى العمال يشرعون باستخراج الصخور ومخلفات التفجير، حيث ينزل أحدهم عبر حبل الى قعر البئر بينما الآخرون يقومون برفع وعاء حديدي كبير يحمل مخلفات التفجير، وكلما زاد عمق البئر زادت صعوبة العملية، لدرجة ان بعض العمال لا يصعدون خلال عملية التفجير بل يتم حفر تجويف بداخل البئر يحتمي العامل بداخله حتى انتهاء عملية التفجير، وهي عملية خطرة تحتاج لجرأة وشجاعة كبيرين، وهي الصفات التي يجب أن يتحلى بها كل من يشتغل بهذا الميدان. اليوم نحن في نهاية عام 2013 وباتت هذه العملية من التاريخ الماضي، لم نعد نراها بإداوسملال حيث تركت المجال لآلة حفر الآبار بتقنية صوندا أو فوراج وهي التقنية التي امتهنها أحد السملاليين، هذه التقنية فرضت نفسها ليس فقط بإداوسملال وسوس بل بكل المغرب، حيث انه بسبب قلة التساقطات المطرية وانخفاض منسوب المياه الجوفية بتنا اليوم مجبرين على الحفر لأعماق كبيرة تصل لعشرات ومئات الأمتار، هذا العمق يصعب الوصول اليه بالطريقة القديمة بالإضافة للفرق الكبير في التكلفة، فحفر بئر بتقنية الصوندا يكلف اليوم ما يناهز 350 درهم للمتر بينما تكلف الطريقة القديمة ما بين الألفين الى الأربعة آلاف درهم، وفي سؤال عن أعمق بئر قام بحفرها بإداوسملال قال انها تبلغ 260 مترا اما باقي الآبار فتتراوح ما بين 60 الى 200 متر من العمق، أما قطر الحفرة التي تنجزها آلة الصوندا فهو 17 سنتيمترا. وخلال السنوات الأخيرة عرفت المنطقة نشاط العديد من المقاولات في هذا المجال بما فيها مقاولة أجنبية من سورية، لكن جلها غادر المنطقة وتوقف عن العمل بها، باستثناء ثلاثة بينها مقاولتكم والتي تنشط بالعديد من مدن المملكة، فما سر استمراريتكم هذا؟ يقول ان مقاولته راهنت على الجودة وتتوفر على عدد مهم من الآليات الحديثة حيث يتم استعمال الآلية المناسبة بالمنطقة والطبيعة التي تلائمها، فإداوسملال معروفة بطبيعتها الصخرية الصلبة، حيث يتطلب إنجاح عملية الحفر قوة وحرفية حتى تكون الحفرة المنجزة سليمة ومتينة لا تتسبب في مشاكل مستقبلية جراء استعمالها مثل ان تعلق بداخلها مضخات وأنابيب المياه. ويتحدث بعض المهتمين بهذا المجال عن انه في الفترة الأخيرة لوحظ بإداوسملال ازدياد في أعداد سكان قبيلة إداوسملال الذين يحفرون الآبار بتقنية الصوندا، وصل لدرجة حفر ثلاثة إلى أربعة آبار في الدوار الواحد وأكثر من بئرين لشخص واحد في بعض الأحيان، وخاصة لدى من يستعملون المياه في الفلاحة لري الأشجار والمزروعات المختلفة، بالإضافة لبعض الآبار التي تربط بشبكات الماء الشروب إما الخاصة أو العامة لكل سكان الدوار. وعن كون المزيد من الدواوير تشهد ربطا بشبكة المكتب الوطني للماء الصالح للشرب مؤخرا، يرى البعض ان ذلك قد يؤثر على نسبة الإقبال على هذا المجال لكن ذلك سيكون فقط على المدى القريب حيث ان فرق التكلفة كبير بين استعمال المياه التي تستخرج من آبار الصوندا وبين المياه التي يتم استهلاكها من قنوات المكتب الوطني للماء الصالح للشرب، وخاصة لمن يستعملها في مجال الفلاحة والري. مهنة أخرى تلقى إقبالا كبيرا وهي تحديد موقع تواجد المياه الجوفية بوفرة وتوكل هذه المهمة لتلة ونخبة قليلة ممن اكتسبوا سمعة وخبرة في هذا المجال، ويطلق عليهم اسم (مافامان) ولعل أشهرهم بإداوسملال هو السيد (بوقرون) والسيد (بوغروض) وكلاهما يحضيان بسمعة عالية حيث كسبا التحدي في تحديد مواقع المياه الوافرة في أماكن صعبة للغاية أجمع من سبقهم أنها لا تحوي مياها، بوقرون شيخ رغم كبر سنه إلا انه مازال بارعا وسيدا في مجاله، لا يكل ولا يمل وهو متواضع وخلوق وقنوع لا يشترط أجرا عاليا بل يقنع بنصيبه ويعتبر عمله نوعا من فعل الخير وفيه أجر كثير، وهو ما يدفع الكثيرين ممن صدقهم القول الى البحث عنه وإرسال الهدايا والشكر له، في صيف يوم حار بإداوسملال حيث بدأت المياه تقل استدعي بوقرون على عجل من قبل بعض فعاليات ووجهاء قبيلة إداوسملال، حل أولا بدوار تيقي حيث تفحص باستعمال بعض الأعواد المنطقة التي حددت له، ووضع علامة على إحدى الأراضي، مباشرة بعدها وصلت آلة حفر الصوندا وبعد ذكر بسم الله ونحر ذبيحة بالمناسبة شرع الحفر وتم العثور على المياه العذبة، بوقرون انتقل الى دوار تيزي أوسلز حيث جال في سور منزل كبير سبق لصاحبه ان أنجز عدة حفر من دون الوصول الى المياه، كعادته قام بالتجول بالمكان و وضع العلامة بالمكان المناسب وبالفعل تم استخراج المياه منها، باتجاه دوار تكانت أوكديد وبالضبط بالمدرسة العتيقة بومروان، والتي كانت تعاني بدورها من شح بمياه الشرب حيث ان الآبار الحالية نضبت وبات ضروريا البحث عن بديل لها، وصل بوقرون واستقبله فقيه المدرسة وبعد الدعاء الجماعي بالمدرسة خرج بوقرون للتجول والبحث والتنقيب بأراضي بجوار سور المدرسة، لم تدم جولته سوى دقائق معدودات حتى قام بوضع العلامة في المكان الذي اختاره، ثم غادر مسرعا ليكمل مسيرته وحربه على العطش حيث كان الطلب عليه باديا من خلال هاتفه النقال الذي لا يكاد يتوقف عن الرنين. ورغم التطور التكنولوجي وظهور آلات ومعدات حديثة للتنقيب عن المياه الجوفية، فإن سملالة مازالوا يثقون بمافامان وخشبته وحاسته السابعة، حيث تجدهم لا يترددون في استدعاء مقاولات الحفر بالصوندا والتنقيب في المكان الذي حدده مافامان، لكن انخفاض منسوب المياه الجوفية بكل المنطقة يجبرهم على الحفر أعمق من ذي قبل، حيث تحولت المياه الى جائزة ثمينة يحصل عليها من يحفر أكثر، وهو ما دفع البعض للحديث عن ان شركات التنقيب عن المعادن والمناجم تستعمل آليات حفر ضخمة تغوص لمئات الأمتار تحت الأرض ويتهمونها بالوقوف وراء استنزاف المياه الجوفية بالمنطقة.
المصدر samlala.com